الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
بسم الله الرحمن الرحيم الْإِكْرَاهُ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ: إكْرَاهٌ عَلَى كَلاَمٍ، وَإِكْرَاهٌ عَلَى فِعْلٍ: فَالْإِكْرَاهُ عَلَى الْكَلاَمِ لاَ يَجِبُ بِهِ شَيْءٌ، وَإِنْ قَالَهُ الْمُكْرَهُ، كَالْكُفْرِ، وَالْقَذْفِ، وَالْإِقْرَارِ، وَالنِّكَاحِ، وَالْإِنْكَاحِ، وَالرَّجْعَةِ، وَالطَّلاَقِ، وَالْبَيْعِ، وَالأَبْتِيَاعِ، وَالنَّذْرِ، وَالْإِيمَانِ، وَالْعِتْقِ، وَالْهِبَةِ، وَإِكْرَاهِ الذِّمِّيِّ الْكِتَابِيِّ عَلَى الْإِيمَانِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ لأََنَّهُ فِي قَوْلِهِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ حَاكٍ لِلَّفْظِ الَّذِي أُمِرَ أَنْ يَقُولَهُ، وَلاَ شَيْءَ عَلَى الْحَاكِي بِلاَ خِلاَفٍ وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الأَمْرَيْنِ فَقَدْ تَنَاقَضَ قَوْلُهُ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى قَوْلٍ وَلَمْ يَنْوِهِ مُخْتَارًا لَهُ فَإِنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ. وَالْإِكْرَاهُ عَلَى الْفِعْلِ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا كُلُّ مَا تُبِيحُهُ الضَّرُورَةُ، كَالأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَهَذَا يُبِيحُهُ الْإِكْرَاهُ؛ لأََنَّ الْإِكْرَاهَ ضَرُورَةٌ، فَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذَا فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لأََنَّهُ أَتَى مُبَاحًا لَهُ إتْيَانُهُ. وَالثَّانِي مَا لاَ تُبِيحُهُ الضَّرُورَةُ، كَالْقَتْلِ، وَالْجِرَاحِ، وَالضَّرْبِ، وَإِفْسَادِ الْمَالِ، فَهَذَا لاَ يُبِيحُهُ الْإِكْرَاهُ، فَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَزِمَهُ الْقَوَدُ وَالضَّمَانُ؛ لأََنَّهُ أَتَى مُحَرَّمًا عَلَيْهِ إتْيَانُهُ. وَالْإِكْرَاهُ: هُوَ كُلُّ مَا سُمِّيَ فِي اللُّغَةِ إكْرَاهًا، وَعُرِفَ بِالْحِسِّ أَنَّهُ إكْرَاهٌ كَالْوَعِيدِ بِالْقَتْلِ مِمَّنْ لاَ يُؤْمَنُ مِنْهُ إنْفَاذُ مَا تَوَعَّدَ بِهِ، وَالْوَعِيدُ بِالضَّرْبِ كَذَلِكَ أَوْ الْوَعِيدُ بِالسَّجْنِ كَذَلِكَ، أَوْ الْوَعِيدُ بِإِفْسَادِ الْمَالِ كَذَلِكَ، أَوْ الْوَعِيدُ فِي مُسَلِّمٍ غَيْرَهُ بِقَتْلٍ، أَوْ ضَرْبٍ، أَوْ سَجْنٍ، أَوْ إفْسَادِ مَالٍ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ، وَلاَ يُسْلِمُهُ.
فَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ، أَوْ أَكْلِ الْخِنْزِيرِ، أَوْ الْمَيْتَةِ، أَوْ الدَّمِ، أَوْ بَعْضِ الْمُحَرَّمَاتِ، أَوْ أَكْلِ مَالِ مُسْلِمٍ، أَوْ ذِمِّيٍّ: فَمُبَاحٌ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ، وَيَشْرَبَ، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ لأََحَدٍ، وَلاَ ضَمَانَ، لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَقَوْله تَعَالَى: فإن قيل: فَهَلاَّ أَبَحْتُمْ قَتْلَ النَّفْسِ لِلْمُكْرَهِ، وَالزِّنَى، وَالْجِرَاحَ، وَالضَّرْبَ، وَإِفْسَادَ الْمَالِ بِهَذَا الأَسْتِدْلاَلِ. قلنا: لأََنَّ النَّصَّ لَمْ يُبِحْ لَهُ قَطُّ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ ظُلْمًا بِظُلْمِ غَيْرِهِ مِمَّنْ لَمْ يَتَعَدَّ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ عَلَيْهِ دَفْعُ الظَّالِمِ أَوْ قِتَالُهُ لقوله تعالى:
فَلَوْ أُمْسِكَتْ امْرَأَةٌ حَتَّى زَنَى بِهَا، أَوْ أُمْسِكَ رَجُلٌ فَأُدْخِلَ إحْلِيلُهُ فِي فَرْجِ امْرَأَةٍ، فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلاَ عَلَيْهَا، سَوَاءٌ انْتَشَرَ أَوْ لَمْ يَنْتَشِرْ، أَمْنَى أَوْ لَمْ يُمْنِ، أَنْزَلَتْ هِيَ أَوْ لَمْ تُنْزِلْ؛ لأََنَّهُمَا لَمْ يَفْعَلاَ شَيْئًا أَصْلاً وَالأَنْتِشَارُ وَالْإِمْنَاءُ فِعْلُ الطَّبِيعَةِ الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمَرْءِ أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ لاَ اخْتِيَارَ لَهُ فِي ذَلِكَ.
وَمَنْ كَانَ فِي سَبِيلِ مَعْصِيَةٍ كَسَفَرٍ لاَ يَحِلُّ، أَوْ قِتَالٍ لاَ يَحِلُّ، فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا يَأْكُلُ إِلاَّ الْمَيْتَةَ، أَوْ الدَّمَ، أَوْ خِنْزِيرًا، أَوْ لَحْمَ سَبُعٍ أَوْ بَعْضَ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ: لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَكْلُهُ إِلاَّ حَتَّى يَتُوبَ، فَإِنْ تَابَ فَلِيَأْكُلْ حَلاَلاً، وَإِنْ لَمْ يَتُبْ فَإِنْ أَكَلَ أَكَلَ حَرَامًا، وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ، فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى بِكُلِّ حَالٍ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وقال مالك: يَأْكُلُ. قال أبو محمد: وَهَذَا خِلاَفٌ لِلْقُرْآنِ بِلاَ كُلْفَةٍ؛ لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُبِحْ لَهُ ذَلِكَ إِلاَّ فِي حَالٍ يَكُونُ فِيهَا غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لأَِثْمٍ، وَلاَ بَاغِيًا، وَلاَ عَادِيًا، وَأَكْلُهُ ذَلِكَ عَوْنٌ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَقُوَّةٌ لَهُ عَلَى قَطْعِ الطَّرِيقِ وَفَسَادِ السَّبِيلِ، وَقَتْلِ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا. فَقَالُوا مَعْنَى قوله تعالى: فَقُلْنَا: هَذَا الْبَاطِلُ، وَالْقَوْلُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِزِيَادَةٍ فِي الْقُرْآنِ بِلاَ بُرْهَانٍ، وَهَذَا لاَ يَحِلُّ، أَصْلاً لأََنَّهُ تَحْرِيفٌ لِلْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ. فَإِنْ قَالُوا قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَقُلْنَا: قَوْلُ اللَّهِ حَقٌّ، وَمَا أَمَرْنَاهُ قَطُّ بِقَتْلِ نَفْسِهِ بَلْ قلنا لَهُ: افْعَلْ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْك مِنْ التَّوْبَةِ، وَاتْرُكْ مَا حَرَّمَ عَلَيْك مِنْ السَّعْيِ فِي الأَرْضِ بِالْفَسَادِ، وَالْبَغْيِ، وَكُلْ فِي الْوَقْتِ حَلاَلاً طَيِّبًا، فَإِنْ أَضَفْتُمْ إلَى خِلاَفِكُمْ الْقُرْآنَ الْإِبَاحَةَ لَهُ أَنْ لاَ يَتُوبَ، وَأَمْرَهُ بِأَنْ يُصِرَّ عَلَى الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ، فَمَا أَرَدْنَا مِنْكُمْ إِلاَّ أَقَلَّ مِنْ هَذَا وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ: لاَ يَلْزَمُ الْإِكْرَاهُ عَلَى الْبَيْعِ، وَلاَ عَلَى الشِّرَاءِ، وَلاَ عَلَى الْإِقْرَارِ، وَلاَ عَلَى الْهِبَةِ، وَلاَ عَلَى الصَّدَقَةِ، وَلاَ يَجُوزُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. قَالُوا: فَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى النِّكَاحِ أَوْ الطَّلاَقِ، أَوْ الرَّجْعَةِ، أَوْ الْعِتْقِ، أَوْ النَّذْرِ، أَوْ الْيَمِينِ: لَزِمَهُ كُلُّ ذَلِكَ، وَقُضِيَ عَلَيْهِ بِهِ، وَصَحَّ ذَلِكَ النِّكَاحُ، وَذَلِكَ الطَّلاَقُ، وَذَلِكَ الْعِتْقُ، وَتِلْكَ الرَّجْعَةُ، وَلَزِمَهُ ذَلِكَ النَّذْرُ، وَتِلْكَ الْيَمِينُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ قُدَامَةَ الْجُمَحِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي: أَنَّ رَجُلاً تَدَلَّى بِحَبْلٍ لِيَشْتَارَ عَسَلاً فَحَلَفَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ لَتَقْطَعَنَّ الْحَبْلَ أَوْ لَيُطَلِّقَنَّهَا ثَلاَثًا فَطَلَّقَهَا ثَلاَثًا، فَلَمَّا خَرَجَ أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: ارْجِعْ إلَى امْرَأَتِك، فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ طَلاَقًا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: لَيْسَ لِمُسْتَكْرَهٍ طَلاَقٌ. قَالَ الْحَسَنُ: وَأَخَذَ رَجُلاً أَهْلُ امْرَأَتِهِ فَطَلَّقَهَا إنْ لَمْ يَبْعَثْ بِنَفَقَتِهَا إلَى شَهْرٍ، فَجَاءَ الأَجَلُ وَلَمْ يَبْعَثْ شَيْئًا، فَخَاصَمُوهُ إلَى عَلِيٍّ، فَقَالَ: اضْطَهَدْتُمُوهُ حَتَّى جَعَلَهَا طَالِقًا فَرَدَّهَا عَلَيْهِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَلْحَةَ الْخُزَاعِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ الْمَدَنِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ لِمُكْرَهٍ طَلاَقٌ. وَصَحَّ أَيْضًا: عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ طُرُقٍ أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ طَلاَقُ الْمُكْرَهِ. وَمِنْ طَرِيقِ ثَابِتٍ الأَعْرَجِ قَالَ: سَأَلْت كُلَّ فَقِيهٍ بِالْمَدِينَةِ عَنْ طَلاَقِ الْمُكْرَهِ فَقَالُوا: لَيْسَ بِشَيْءٍ، ثُمَّ أَتَيْت ابْنَ الزُّبَيْرِ، وَابْنَ عُمَرَ، فَرَدَّا عَلَيَّ امْرَأَتِي، وَكَانَ قَدْ أُكْرِهَ عَلَى طَلاَقِهَا ثَلاَثًا. وَصَحَّ هَذَا أَيْضًا: عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَالْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ، وطَاوُوس، وَشُرَيْحٍ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِمْ. وَصَحَّ إجَازَةُ طَلاَقِ الْمُكْرَهِ أَيْضًا: عَنِ ابْنِ عُمَرَ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُمَا. وَصَحَّ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَالنَّخَعِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. وَاحْتَجَّ الْمُجِيزُونَ لِذَلِكَ بِعُمُومِ قوله تعالى: قال أبو محمد: وَهَذَا تَمْوِيهٌ مِنْهُمْ؛ لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى الَّذِي قَالَ هَذَا هُوَ الَّذِي قَالَ: وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَالْمُكْرَهُ لَمْ يُطَلِّقْ قَطُّ، إنَّمَا قِيلَ لَهُ: قُلْ: هِيَ طَالِقٌ ثَلاَثًا فَحَكَى قَوْلَ الْمُكْرِهِ لَهُ فَقَطْ. وَالْعَجَبُ مِنْ تَخْلِيطِهِمْ، وَقِلَّةِ حَيَائِهِمْ يَحْتَجُّونَ بِعُمُومِ هَذِهِ الآيَةِ فِي إجَازَةِ طَلاَقِ الْمُكْرَهِ، ثُمَّ لاَ يُجِيزُونَ بَيْعَ الْمُكْرَهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: فَإِنْ قَالُوا: الْبَيْعُ لاَ يَكُونُ إِلاَّ عَنْ تَرَاضٍ قلنا: وَالطَّلاَقُ لاَ يَكُونُ إِلاَّ عَنْ رِضًا مِنْ الْمُطَلِّقِ وَنِيَّةٍ لَهُ بِالنُّصُوصِ الَّتِي قَدَّمْنَا. ثُمَّ قَدْ خَالَفُوا هَذَا الْعُمُومَ وَلَمْ يُجِيزُوا طَلاَقَ الصَّبِيِّ، وَلاَ طَلاَقَ النَّائِمِ، فَإِنْ قَالُوا: لَيْسَ هَذَانِ مُطَلِّقَيْنِ قلنا: وَلاَ الْمُكْرَهُ مُطَلِّقًا. وَأَطْرَفُ شَيْءٍ أَنَّهُمْ احْتَجُّوا هَهُنَا فَقَالُوا: الْبَيْعُ يُرَدُّ بِالْغَيْبِ . فَقُلْنَا: نَعَمْ، وَلَكِنْ بَعْدَ صِحَّةٍ، فَأَخْبِرُونَا هَلْ وَقَعَ بَيْعُ الْمُكْرَهِ صَحِيحًا أَمْ لاَ فَإِنْ قُلْتُمْ: وَقَعَ صَحِيحًا، فَلاَ سَبِيلَ إلَى رَدِّهِ إِلاَّ بِرِضَاهُمَا، أَوْ بِنَصٍّ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ قُلْتُمْ: لَمْ يَقَعْ صَحِيحًا، وَهُوَ قَوْلُهُمْ. قلنا: فَقِيَاسُكُمْ مَا لَمْ يَصِحَّ عَلَى مَا صَحَّ بَاطِلٌ فِي الْقِيَاسِ؛ لأََنَّهُ قِيَاسُ الشَّيْءِ عَلَى ضِدِّهِ، وَعَلَى مَا لاَ يُشْبِهُهُ. وَقُلْنَا لَهُمْ أَيْضًا: وَكَذَلِكَ الطَّلاَقُ مِنْ الْمُكْرَهِ وَقَعَ بَاطِلاً، وَاحْتَجُّوا بِأَخْبَارٍ فَاسِدَةٍ: مِنْهَا: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ حَدَّثَنِي الْغَازِي بْنُ جَبَلَةَ الْجُبْلاَنِيُّ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عِمْرَانَ الطَّائِيِّ أَنَّ رَجُلاً جَعَلَتْ امْرَأَتُهُ سِكِّينًا عَلَى حَلْقِهِ وَقَالَتْ: طَلِّقْنِي ثَلاَثًا أَوْ لاََذْبَحَنَّكَ فَنَاشَدَهَا اللَّهَ تَعَالَى، فَأَبَتْ، فَطَلَّقَهَا ثَلاَثًا، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لاَ قَيْلُولَةَ فِي الطَّلاَقِ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ عَنْ بَقِيَّةَ عَنْ الْغَازِي بْنِ جَبَلَةَ عَنْ صَفْوَانَ الطَّائِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَهَذَا كُلُّهُ لاَ شَيْءَ؛ لأََنَّ إسْمَاعِيلَ بْنَ عَيَّاشٍ، وَبَقِيَّةَ: ضَعِيفَانِ، وَالْغَازِيَ بْنَ جَبَلَةَ مَجْهُولٌ، وَصَفْوَانَ ضَعِيفٌ، ثُمَّ هُوَ مُرْسَلٌ. وَذَكَرُوا حَدِيثًا مِنْ طَرِيقِ مُطَيَّنٍ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ يُوسُفَ التَّمِيمِيِّ وَهُوَ مَجْهُولٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ وَهُوَ مَجْهُولٌ عَنْ عَطَاءِ بْنِ عَجْلاَنَ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلُّ الطَّلاَقِ جَائِزٌ إِلاَّ طَلاَقَ الْمَعْتُوهِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ. قال أبو محمد: وَهَذَا قِلَّةُ حَيَاءٍ مِنْهُمْ أَنْ يَحْتَجُّوا بِرِوَايَةِ عَطَاءِ بْنِ عَجْلاَنَ وَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ، ثُمَّ هُمْ يَقُولُونَ: إنَّ الصَّاحِبَ إذَا رَوَى خَبَرًا وَخَالَفَهُ فَذَلِكَ دَلِيلٌ، عَلَى سُقُوطِ ذَلِكَ الْخَبَرِ، وَإِنَّمَا رُوِيَ هَذَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: إنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يَرَ طَلاَقَ الْمُكْرَهِ، فَيَلْزَمُهُمْ عَلَى أَصْلِهِمْ الْفَاسِدِ أَنْ يُسْقِطُوا كُلَّ هَذِهِ الأَخْبَارِ؛ لأََنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَوَى بَعْضَهَا، وَخَالَفَهُ كَمَا فَعَلُوا فِيمَا كَذَبُوا فِيهِ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ تَرْكِهِ مَا رَوَى هُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم مِنْ غَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ سَبْعًا، وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَعْقِلُونَ. وَأَيْضًا: فَهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذَا الْخَبَرِ؛ لأََنَّهُمْ لاَ يُجِيزُونَ طَلاَقَ النَّائِمِ يَتَكَلَّمُ فِي نَوْمِهِ بِالطَّلاَقِ، وَلاَ طَلاَقَ الصَّبِيِّ، وَلَيْسَا مَعْتُوهَيْنِ، وَلاَ مَغْلُوبَيْنِ عَلَى عُقُولِهِمَا. وَيَقُولُونَ فِيمَنْ قَالَ لأَمْرَأَتِهِ فِي غَضَبٍ: أَنْتِ خَلِيَّةٌ، أَوْ بَائِنٌ، أَوْ بَرِّيَّةٌ، أَوْ حَرَامٌ، أَوْ أَمْرُك بِيَدِك وَنَوَى طَلْقَةً وَاحِدَةً فَهِيَ لاَزِمَةٌ وَإِنْ نَوَى ثَلاَثًا فَهِيَ لاَزِمَةٌ وَإِنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ لَزِمَتْ وَاحِدَةٌ وَلَمْ تَلْزَمْ الْأُخْرَى. فَمَنْ أَرَقُّ دِينًا مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِخَبَرٍ هُوَ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ عَلَى مَنْ لاَ يَرَاهُ حُجَّةً أَصْلاً، وَاحْتَجُّوا بِالآثَارِ الْوَارِدَةِ ثَلاَثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ. قال أبو محمد: وَهِيَ آثَارٌ وَاهِيَةٌ كُلُّهَا لاَ يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهَا حُجَّةٌ أَصْلاً؛ لأََنَّ الْمُكْرَهَ لَيْسَ مُجِدًّا فِي طَلاَقِهِ، وَلاَ هَازِلاً، فَخَرَجَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ حُكْمٌ فِي ذَلِكَ. قَالَ عَلِيٌّ: وَأَيُّ عَجَبٍ أَكْثَرُ مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِهَذِهِ الْأُكْذُوبَاتِ الَّتِي هِيَ إمَّا مِنْ رِوَايَةِ كَذَّابٍ، أَوْ مَجْهُولٍ، أَوْ ضَعِيفٍ، أَوْ مُرْسَلَةٌ، ثُمَّ يَعْتَرِضُ عَلَى مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمُؤَذِّنِ عَنْ بِشْرِ بْنِ بَكْرٍ عَنْ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عُفِيَ لأَُمَّتِي عَنْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ. فَإِنْ قَالَ: سَأَلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَبَاهُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ لَهُ: إنَّهُ رَوَاهُ شَيْخٌ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الأَوْزَاعِيِّ، وَمَالِكٌ. قَالَ مَالِكٌ: عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ الأَوْزَاعِيِّ: عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَقَالَ أَحْمَدُ: هَذَا كَذِبٌ، وَبَاطِلٌ، لَيْسَ يُرْوَى إِلاَّ الْحَسَنُ عَنْ النَّبِيِّ فَاعْجَبُوا لِلْعَجَبِ إنَّمَا كَذَّبَ أَحْمَدُ رحمه الله مَنْ رَوَى هَذَا الْخَبَرَ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَمِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَصَدَقَ أَحْمَدُ فِي ذَلِكَ: فَهَذَا لَمْ يَأْتِ قَطُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَلاَ مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، إنَّمَا جَاءَ مِنْ طَرِيقِ بِشْرِ بْنِ بَكْرٍ عَنْ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَدَّلَ الأَسَانِيدَ فَقَدْ أَخْطَأَ، أَوْ كَذَبَ إنَّ تَعَمَّدَ ذَلِكَ. ثُمَّ الْعَجَبُ كُلُّهُ عَلَيْهِمْ هَذَا الْخَبَرُ بِأَنَّهُ مُرْسَلٌ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ، وَهُمْ يَحْتَجُّونَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَفْسِهَا بِأَنْتَنَ مَا يَكُونُ مِنْ الْمَرَاسِيلِ، أَمَا هَذَا عَجَبٌ ثُمَّ قَالُوا: كَيْفَ يُرْفَعُ عَنْ النَّاسِ مَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ وَقَدْ وَقَعَ مِنْهُمْ وَهَذَا اعْتِرَاضٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ثُمَّ حَمَلَهُمْ قِلَّةُ الدِّينِ وَعَدَمُ الْحَيَاءِ عَلَى مِثْلِ هَذَا الأَعْتِرَاضِ الَّذِي هُوَ عَائِدٌ عَلَيْهِمْ بِذَاتِهِ كَمَا هُوَ عَائِدٌ فِي رَفْعِهِمْ الْإِكْرَاهَ فِي الْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ، وَالْإِقْرَارِ، وَالصَّدَقَةِ. ثُمَّ هُوَ كَلاَمٌ سَخِيفٌ مِنْهُمْ؛ لأََنَّهُ لَمْ يَقُلْ عليه السلام قَطُّ: إنَّ الْمُكْرَهَ لَمْ يَقُلْ مَا أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَقُولَهُ، وَلاَ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ مَا أُكْرِهَ عَلَى فِعْلِهِ، لَكِنَّهُ أَخْبَرَ عليه السلام أَنَّهُ رُفِعَ عَنْهُ حُكْمُ كُلِّ ذَلِكَ، كَمَا رُفِعَ عَنْ الْمُصَلِّي فِعْلُهُ بِالسَّهْوِ فِي السَّلاَمِ، وَالْكَلاَمِ، وَعَنْ الصَّائِمِ أَكْلُهُ، وَشُرْبُهُ، وَجِمَاعُهُ سَهْوًا، وَعَنْ الْبَائِعِ مُكْرَهًا بَيْعُهُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. قال أبو محمد: وَكُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ فِي هَذَا فَهُوَ مُبْطِلٌ لِقَوْلِهِمْ فِي إبْطَالِ بَيْعِ الْمُكْرَهِ وَابْتِيَاعِهِ، وَإِقْرَارِهِ، وَهِبَتِهِ، وَصَدَقَتِهِ، مِثْلُ قَوْلِهِمْ: إنَّنَا وَجَدْنَا الْمُكْرَهَةَ عَلَى إرْضَاعِ الصَّبِيِّ خَمْسَ رَضَعَاتٍ يُحَرِّمُهَا عَلَيْهِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِ مِمَّا يُحَرَّمُ عَلَيْهِ مِنْ جِهَتِهَا لَوْ أَرْضَعَتْهُ طَائِعَةً. قال علي: وهذا عَلَيْهِمْ فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى الْبَيْعِ، وَالأَبْتِيَاعِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالْإِقْرَارِ ثم نقول لَهُمْ: إنَّ الرَّضَاعَ لاَ يُرَاعَى فِيهِ نِيَّةٌ، بَلْ رَضَاعُ الْمَجْنُونَةِ، وَالنَّائِمَةِ، كَرَضَاعِ الْعَاقِلَةِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُحَرَّمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يُحَرَّمُ مِنْ النَّسَبِ فَلاَ مَدْخَلَ لِلْإِرَادَةِ فِي الرَّضَاعِ، وَلاَ هُوَ عَمَلٌ أُمِرَتْ بِهِ فَيُرَاعَى فِيهِ نِيَّتُهَا. وَقَالُوا: وَجَدْنَا مَنْ أُكْرِهَ عَلَى وَطْءِ امْرَأَةِ ابْنِهِ يُحَرِّمُهَا عَلَى الأَبْنِ. قال أبو محمد: وَهَذَا عَلَيْهِمْ فِي الْبَيْعِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالْإِقْرَارِ. وَجَوَابُنَا نَحْنُ أَنَّهُ إنْ أُخِذَ فَرْجُهُ فَأُدْخِلَ فِي فَرْجِهَا لَمْ يُحَرِّمْ شَيْئًا؛ لأََنَّهُ لَمْ يَنْكِحْهَا وَأَمَّا إنْ تُهُدِّدَ، أَوْ ضُرِبَ حَتَّى جَامَعَهَا بِنَفْسِهِ قَاصِدًا: فَهُوَ زَانٍ مُخْتَارٌ قَاصِدٌ، وَعَلَيْهِ الْحَدُّ، وَتُحَرَّمُ؛ لأََنَّهُ لاَ حُكْمَ لِلْإِكْرَاهِ هَهُنَا. قَالَ عَلِيٌّ: وَنَقُولُ لَهُمْ: هَبْكُمْ أَنَّكُمْ وَجَدْتُمْ فِي الطَّلاَقِ، وَالْعِتْقِ: هَذِهِ الآثَارَ الْمَكْذُوبَةَ، فَأَيُّ شَيْءٍ وَجَدْتُمْ فِي النِّكَاحِ وَبِأَيِّ شَيْءٍ أَلْزَمْتُمُوهُ وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إبْطَالُهُ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمُجَمِّعٍ، ابْنَيْ يَزِيدَ بْنِ جَارِيَةَ الأَنْصَارِيِّ عَنْ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِذَامِ الأَنْصَارِيَّةِ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ، فَكَرِهَتْ ذَلِكَ، فَأَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ نِكَاحَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُد الْمِصِّيصِيُّ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ جَارِيَةً بِكْرًا أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إنَّ أَبِي زَوَّجَنِي وَهِيَ كَارِهَةٌ فَرَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِكَاحَهَا. وَهَذَانِ سَنَدَانِ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ لاَ مُعَارِضَ لَهُمَا. قال أبو محمد: فَمَنْ حَكَمَ بِإِمْضَاءِ نِكَاحِ مُكْرَهٍ، أَوْ طَلاَقِ مُكْرَهٍ، أَوْ عِتْقِ مُكْرَهٍ، فَحُكْمُهُ مَرْدُودٌ أَبَدًا، الْوَطْءُ فِي ذَلِكَ النِّكَاحِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ الطَّلاَقِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ الْعِتْقِ إنْ تَزَوَّجَ الْمُطَلَّقَةَ وَالْمُعْتَقَةَ: زَانٍ يُجْلَدْ، وَيُرْجَمْ إنْ كَانَ مُحْصَنًا، وَيُجْلَدْ مِائَةً وَيُغَرَّبْ عَامًا إنْ كَانَ غَيْرَ مُحْصَنٍ. وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ لاَ يَرَوْنَ الْإِكْرَاهَ عَلَى الرِّدَّةِ تُبِينُ الزَّوْجَةَ، وَالرِّدَّةُ عِنْدَهُمْ تُبَيِّنُهَا وَهَذَا تَنَاقُضٌ مِنْهُمْ فِي إجَازَتِهِمْ الطَّلاَقَ بِالْكُرْهِ.
وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى سُجُودٍ لِصَنَمٍ، أَوْ لِصَلِيبٍ، فَلْيَسْجُدْ لِلَّهِ تَعَالَى مُبَادِرًا إلَى ذَلِكَ، وَلاَ يُبَالِي فِي أَيِّ جِهَةٍ كَانَ ذَلِكَ الصَّنَمُ، وَالصَّلِيبُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ إكْرَاهِ السُّلْطَانِ، أَوْ اللُّصُوصِ، أَوْ مَنْ لَيْسَ سُلْطَانًا، كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا؛ لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلاَ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ: الْإِكْرَاهُ بِضَرْبِ سَوْطٍ أَوْ سَوْطَيْنِ أَوْ حَبْسِ يَوْمٍ: لَيْسَ إكْرَاهًا. قال أبو محمد: وَهَذَا تَقْسِيمٌ فَاسِدٌ؛ لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ، وَلاَ مَعْقُولٌ، وَالضَّرْبُ كُلُّهُ سَوْطٌ ثُمَّ سَوْطٌ إلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ أَكْثَرَ. وَهُمْ يُشَنِّعُونَ بِقَوْلِ الصَّاحِبِ الَّذِي لاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ: وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَيَّانَ يَحْيَى بْنُ سَعْدٍ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ لِي الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدٌ: سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: مَا مِنْ ذِي سُلْطَانٍ يُرِيدُ أَنْ يُكَلِّفَنِي كَلاَمًا يَدْرَأُ عَنِّي سَوْطًا أَوْ سَوْطَيْنِ إِلاَّ كُنْت مُتَكَلِّمًا بِهِ، وَلاَ يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم مُخَالِفٌ.
وَاحْتَجُّوا فِي إلْزَامِ النَّذْرِ، وَالْيَمِينِ بِالْكُرْهِ: بِحَدِيثٍ فَاسِدٍ مِنْ طَرِيقِ حُذَيْفَةَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ أَخَذُوهُ وَهُوَ يُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَدْرٍ فَأَحْلَفُوهُ أَنْ لاَ يَأْتِيَ مُحَمَّدًا، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: نَفِي لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ، وَنَسْتَعِينُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ. قال أبو محمد: وَهُوَ حَدِيثٌ مَكْذُوبٌ وَمَا كَانَ الْمُشْرِكُونَ الْمَانِعُونَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطُّ فِي طَرِيقِ بَدْرٍ، وَحُذَيْفَةُ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، إنَّمَا هُوَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ حَلِيفٌ لِلأَنْصَارِ وَنَصُّ الْقُرْآنِ. يُخْبِرُ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَجْتَمِعُوا بِبَدْرٍ عَنْ وَعْدٍ، وَلاَ عِلْمِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، حَتَّى قَرُبَ الْعَسْكَرَانِ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ إِلاَّ كَثِيبُ رَمْلٍ فَقَطْ وَمِثْلُهُمْ احْتَجَّ بِمِثْلِ هَذَا، وَحَاشَ لِلَّهِ أَنْ يَأْمُرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِنْفَاذِ عَهْدٍ بِمَعْصِيَةٍ. لَيْتَ شِعْرِي لَوْ عَاهَدُوا إنْسَانًا عَلَى أَنْ لاَ يُصَلِّيَ، أَوْ أَنْ يَأْتِيَ أُمَّهُ، أَكَانَ يَلْزَمُهُمْ هَذَا عِنْدَهُمْ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ.
|